«العقار هو الابن البار». عاش المصريون سنوات عديدة منذ عهد مبارك في ظل هذه المقولة. حتى جاء عام 2021، وبدء الدولار رحلة صعوده أمام الجنيه المصري من 16 جنيهاً وصولاً إلى مستويات تجاوزت 70 جنيهاً في مستهل عام 2024.
وجد المصريون قيمة ممتلكاتهم العقارية لا تقفز قفزات موازية أو حتى مقاربة لقفزات الدولار، فاكتشفوا أنهم أمام ابن عاق، ليس باراً كما آمنوا لعقود. هبط الابن العاق من على كتف المصريين، وصعد مكانه ابن بار آخر برداء أخضر، وضع عليه المصريون آمالهم في حفظ مدخراتهم.
أسابيع قليلة وهبط الدولار هبوطاً عنيفاً من 74 جنيهاً إلى 42 جنيهاً تقريباً قبل أن يستقر-حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات- عند 48 جنيهاً تقريباً. طعنة أخرى في ظهر المصريين شعروا بعدها أن ابنهم الثاني أيضاً صار عاقاً.
وبين الولدين، يجلس أخ ثالث هادئ ثمين، اعتمدت عليه البشرية من يومها الأول في حفظ مدخراته فلم يخذلها يوماً. ومع المتغيرات الاقتصادية الحادة، فطنت شريحة أكبر من المصريين لأهمية الذهب، فصار وجهة مهمة لهم خاصة بعد عام 2021.
هرع المواطن لشراء الذهب بدافع الخوف، والخوف فقط. فصارت عمليات البيع والشراء عشوائية. أناس يربحون أرباحاً مهولة، على الرغم من أنهم ليسوا تجاراً. وآخرون يخسرون أموالاً ليست بالقليلة، بالرغم من أن كليهما تعرض لنفس الظروف. فلماذا ربح أولئك وخسر هؤلاء؟ نحن هنا لنجيب على هذا السؤال من خلال بعض النصائح التي قد تفيدك قبل أن تتخذ قرارك بالبيع أو الشراء.
النصيحة الأولى التي نوجهها لك هي ألا تتسرع وتشتري بناء على نصيحة صديق لك في إحدى جلساتكم الليلية. لا تشتري الذهب قبل أن تتعلم جيداً أساسيات سوقه.
قم بمتابعة جروبات الذهب الكبيرة على فيسبوك وابتعد عن تيليجرام. على جروبات فيسبوك، يوجد عديد من آراء التجار والمحللين وقدامى الزبائن والمضاربين في سوق الذهب على الجروب الواحد. أما على تيليجرام، فعادة ما تكون القناة من إنشاء أحد تجار الذهب الذي يوجهك بشكل مباشر أو غير مباشر لفعل معين دون السماح بمشاركة الآخرين.
على تلك الجروبات ستتعلم الفروق بين عيارات الذهب المختلفة، وكذلك الفروق بين المشغولات الذهبية والسبائك. ستتعلم معاني أخرى كالمصنعية، والكاش باك، وسعر البيع وسعر الشراء … إلخ.
من أشهر أخطاء المشتري الجديد في سوق الذهب، هو نشره للفاتورة التي اشترى بها سبيكته الأولى على أي من جروبات التواصل الاجتماعي وسؤاله: هل هذا السعر مناسب أم إن التاجر نجح في خداعي؟
حقيقة لا أعرف لماذا لا يقوم بعض المشترين بحساب قيمة ما يشترونه قبل الشراء والدفع؟ تعلُم حساب سعر الذهب أمر بسيط للغاية، ولكنه مهم للغاية في الوقت ذاته.
فعلى فرض أنك تقوم بشراء سبيكة ذهبية بغرض الادخار، فإن السبائك جميعها تكون عيار 24. يكون إجمالي سعر السبيكة هو (سعر جرام الذهب عيار 24 + المصنعية المُعلنة رسمياً من الشركة) مضروباً في وزن السبيكة. فإذا كانت السبيكة وزنها 20 جراماً وسعر جرام الذهب عيار 24 في اللحظة التي تشتري 3700 جنيه، والمصنعية المُعلنة من الشركة المصنعة للسبيكة 64 جنيهاً، فإن:
سعر السبيكة = (3700 + 64) * 20 = 75,280 جنيهاً.
السؤال الآن: من أين أعرف سعر الذهب في اللحظة التي أشتري بها؟ وللإجابة على هذا السؤال دعني أخبرك أولاً من أين يأتي السعر اللحظي للذهب. في مصر، لا يوجد مصدر حكومي أو مؤسسي واضح لإعلان سعر الذهب أو ما يُعرف بالسعر في شاشة الصاغة.
شاشة الصاغة هي مصطلح لشيء غير مادي، يشير إلى ما اتفق عليه كبار تجار ومصنعي الذهب في القاهرة تحديداً وفقاً لمتغيرات عديدة مثل سعر الذهب العالمي وسعر الدولار وخلافه. ثم يبدأ هذا السعر في الانتشار عبر جروبات واتساب لكبار التجار في الحسين وميدان الجامع في العاصمة، ومنه إلى تجار المحافظات.
تطبيق «Gold Bullion» هو الوسيلة الأسرع والأكثر اعتمادية لمعرفة سعر شاشة الصاغة، أو السعر اللحظي للذهب بعياراته المختلفة.
أما في ما يخص المصنعيات، فكل شركة لها جدول خاص بها تعلن فيه مصنعية الجرام الواحد وكذلك الكاش باك للسبائك بأوزانها المختلفة، وكلما زاد وزن السبيكة قلّت مصنعية الجرام الواحد.
جدول المصنعيات والكاش باك الخاص بشركة BTC
«الدهب كله واحد يا أستاذ!». ستسمع تلك الجملة من أغلب تجار الذهب حينما تقرر الشراء. تحمل الجملة جزءاً كبيراً من المنطق، لكنها تغفل جانباً مهماً تتنافس فيه شركات الذهب. هذا الجانب هو الكاش باك.
الكاش باك هو جزء من المصنعية التي دفعتها عند الشراء، تستردها عند البيع إذا حافظت على السبيكة في غلاف الشركة المُصنعة لها. وكلما قلّ الفرق بين المصنعية والكاش باك في جدول الشركة المصنعة، كان أفضل للمشتري بكل تأكيد وبخاصة في الأوزان الكبيرة.
شيء آخر يجب الانتباه إليه عند شراء السبيكة، وهو سمعة تلك الشركة في السوق وانتشارها؛ لأن ذلك سيسهل عليك كثيراً إذا قررت بيعها أونلاين خارج نطاق محلات الذهب مستقبلاً.
حينما تكتسب خبرة جيدة في سوق الذهب، وتشعر أنك قادر على الشراء الآن وفقاً لرؤية محددة، قم بالشراء من التجار والموزعين ولا تشتري من شركة الذهب نفسها في مقراتها المعلنة؛ لأنها ستكون أغلى بكثير ولا تعطي لك أي ميزة إضافية بتلك الزيادة.
تتعمد شركات الذهب رفع المصنعيات الخاصة بسبائكها -عن جداولها المعلنة- في مقرات بيعها الرئيسية وعلى منصاتها الإلكترونية؛ لأنها لا تهدف للتعامل مع المواطن بالأساس. هي تفضل التعامل مع تجار الجملة والموزعين لأنهم سيحققون لها الانتشار العرضي بين جميع محافظات مصر دون أن تضطر لبذل مجهود كبير لذلك.
لذلك قم بالبحث في السوق عن تاجر يلتزم بالسعر اللحظي للذهب، والمصنعية المعلنة من الشركة التي قمت باختيارها، وتعامل معه مباشرة. واطلب منه أن يضيف لك رقم السبيكة في الفاتورة الخاصة بك، وكذلك قيمة الكاش باك عند إعادة البيع.
لا تشترِ كمية الذهب التي قررتها مرة واحدة. قم بتقسيم عملية الشراء على ثلاث أو أربع مرات، حتى تحقق متوسط سعر جيداً للشراء؛ نظراً للتقلبات الحادة التي يمر بها كل من السوق المحلي والسوق العالمي للذهب على التوازي.
فإذا ارتفع سعر الشراء للذهب بعد المرة الأولى، فسينخفض في الثانية أو الثالثة وهكذا. بتلك الطريقة أنت تقلل المخاطرة قدر الإمكان.
حينما تقرر بيع الذهب سواء لاحتياجك للمال أو للمضاربة، فاعلم أن هناك سوقاً لبيع الذهب أونلاين عبر جروبات وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. فلماذا يلجأ الناس لتلك الطريقة بدلاً من البيع لمحلات الذهب؟
يوجد سعران للذهب: سعر الشراء وهو السعر الأعلى الذي تشتري به من تاجر الذهب، وسعر البيع وهو السعر الأقل الذي تبيع به لتاجر الذهب.
حينما تقرر البيع أونلاين، فأنت في هذه الحالة تحل محل تاجر الذهب وتبيع بسعر الشراء -السعر الأعلى- مُضافاً إليه 20 جنيهاً متوسط مصنعية للجرام الواحد. بينما يستفيد المشتري بدفع مصنعية أقل من التي سيدفعها إذا قرر الشراء من التاجر. فإذا كان جدول الشركة يقول إن المصنعية 60 جنيهاً للجرام، ففي هذه الحالة يكون المشتري قد وفر 40 جنيهاً في الجرام الواحد.
يتبقى فقط أن تعلم أنك إذا قررت الشراء أونلاين، يجب عليك توخي الحذر والتأكد من هوية الشخص الذي تتعامل معه والذي يفضل أن يكون من دوائر معارفك، وكذلك التأكد من صحة السبيكة وسلامة الفاتورة الخاصة بها.